الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

تطاول وتعارض

تطاول وتعارض

نجحت إسرائيل في إحياء شمشون مرة أخرى جعل كل من رآه وسمع به يسقط في بول رعبه غارقاً في سيلان لعابه المتأجج وفعل هذا الشمشون الجبار كل ما يحلو له من اغتصاب وقتل وسرقة أمام الشهود والمغتصبة حقوقهم كلهم سواء ولم يقدر احد منهم أو غيرهم سوى القول لشمشون "عيب يا شمشون" انت مغتصب يا شمشون وحرامي يا شمشون.

في الوقت الذي جعلنا عنترة بن شداد عفريتاً في زجاجة تحاذقنا عليه وقلنا له لو أنك فعلاً خرجت من هذه الزجاجة الصغيرة فأرنا الدليل وحين تقزم في زجاجته أغلقنا عليه وأخرجنا ألسنتنا له لنجلس على عصا شمشون في أريحية خالدة.

للأسف نحن بأيدينا من استصغر نفسه وكتم أنفاسه وجعل أحلامه هواجسه وأفكاره أسطورة كأسطورة أمنا الغولة ندفن رؤسنا في الرمال حين نراها ونحشر تطلعاتنا في فتحات جيوبنا المهترئة.

بينما نشهد ما حدث بين مصر والجزائر ومباهاة كل طرف بشوفينيته وقوميته وأنه من ينتمي بشكل أو بآخر للعنصر الياقوتي من البشر وأن الآخر حثالة الحيوانات إن إرتقى في الأصل لذلك، وبين مصر وليبيا وبين المغرب والجزائر وبين اليمن والسعودية وبين السودان والصومال وبين سوريا والعراق وبين الكويت والعراق.

صدام حسين رأى في نفسه فارس فرسان العرب والمسلمين فاغتصب الكويت لتكون غرة أزمنة بطولاته وانتصاراته.

حسني مبارك يرى في نفسه الحكيم العادل المتأني وفي دولته الأولى والأصلح لجر عربة العرب نحو المستقبل المشرق.

فشل القذافي في قيادة عربية فوجد ضالته المنشودة في صحراء افريقيا للحصول على قيادة قارية تناهض قيادة العرب الاقليمية.

بحثنا في ماضينا عن البطولة الوحدوية ومن سيكون صاحب الفضل الأوحد على بقية الرعية من المحيط إلى الخليج فالكل يبحث عن عصا موسى و معجزات عيسى وناقة صالح وسفينة نوح –عليهم السلام أجمعين.

وكانت النتيجة سفينة بلا ركاب وعصا لا تغني ولا تسمن من جوع.

ناهضنا فكرة قيام دولة إسلامية على اعتبار انها فكرة من أفكار الزمن الغابر ونحن في كل يوم نسبح باسم الأيام السالفة والماضي العطِرْ.

فشلنا في التطاول على إسرائيل ونجحنا في التعارض على أنفسنا.

الأربعاء، 15 أبريل 2009

القطار القادم

القطار القادم

بسم الله نبدأ وبحمده نختم والآن وبعد فترات من إحتدام الصراع داخلي بين هواية وموهبة وميل وحب ونظرة وفكرة واستشراف وعمل وحاجة وضرورة أقول أني سأخرج من داخلي كل ما هو مبطون لأظهره وليتحرك قطار الأفكار والأحلام والآمال كاسراً قيود القلق والريبة والاحتساب والخوف.لن أقيد نفسي بداعي التخصص وسأعمل بمقال طه حسين وهو الأخذ بطرف شيء من كل شيء.

تصوير.

مقالات.

قصص.

خواطر.

سيناريو.

أفكار.

أسئلة.

سينما.

موسيقى.

أغاني.

قرآن كريم.

دين.

حب.

علم.

الثلاثاء، 14 أبريل 2009

رسالة إلى الله

رسائل إلى الله

لا زلت أسأل نفسي لماذا الكتابة وأنا غير مقروء ؟!!
لماذا الإصرار على التنفس هواءً والشرب ماءً والإنتفاخ إطعاماً لجسد ميت متعفن ؟!!
من دون حساب لخطواتي هنا يوماً وهناك يومين وشرقاً أنام وغرباً أستيقظ وشمالاً أتأمل وجنوباً أشرد ،وقلمي ثابت الإتجاه ماضٍ في كتابته وخطه والنتيجة ؟!
ألاّ قاريء يقرأ ولا أميّ يلتفت ولا أعمى يدرك ولا كائن يعي.
ليست كتاباتي ككتابات شكسبير أو نجيب محفوظ وتشيخوف وعباقرة الكتابة وهذه حقيقة وليست إدعاءً سخيفاً يريد جذب الإنتباه.
آخر ما رجوته أن......

أن أكتب ويقرأني الله ..رجاءً يا ربي ..أن تقرأني صباحاً ومساءً ..ظهراً وعشاءً ..
أعرف أن الأمل في دنيانا هذه قد مات محروقاً ومقعوداً على خازوق لاصق لصقاً لابد منه.
وأنا لا آمل في نفسي أكثر من ان تقرأني وتعقل وجودي ..وأن ترسل ملائكتك تشكرني نظير كتابتي وأن أرد لك الشكر صاعين وثلاثة.
لذا أعدك يا الله ان اكتب إليك ولن أكتب إليهم ولن يهمني قراءتهم.
فأنت جمهوري وناصري اتفقنا أم اختلفنا..أليس كذلك ؟

إنتظرني يا الله !!

الأحد، 4 يناير 2009

فلس طين بلا رب




في السنة الفائتة ذات الوقت الكائنين به الآن كان الفلسطينيون يقتتلون مخرجاً كل منهم سيف كبته من غمد انتقامه شارخاً جدار كيان فلسطين الذي تصدع منذ ولدت ..فهكذا فلسطين منذ خلقها الله ..لقد خلقنا فلسطين في كبد !! هذا قدرك يا فلس طين فالفلس والطين بداية منتهاة ..قدر محسوم.
هذا القدر اختار أن تكون فلسطين بلا رب وأن يكون ماحولها من أوطان بلا مواطنين لذا سيطول الصراخ والانتحاب على هذا العربي الديناصوري الذي تعفن في رحم انفجار الكون حين خلقت الأرض والسماوات من حولها وللآن لم يعرف تلك المقبرة اللعينة التي حوت العربي واكتنفته.
وين العرب؟!! فين العرب؟؟ Where are Arabians?
بكل لغات العالم بحث الناس أجمعين عن العرب أين هم ولم يعثروا عليهم على أثر ولو ضلع من هيكله العظمي مثلما اكتشف العلماء وجود حيتان عملاقة في وادي الحيتان بالفيوم منذ ملايين السنين.
فلسطين كإنسان ولد أحس ذكوريته طيلة 10 سنين واكتشف أن أحاسيسه أنثوية تحتاج للجماع السلبي فطلب إجراء عملية التحويل من ولد لبنت وحين قرر تذكر بطولاته الذكورية فارتكن منزوياً ملوماً محسوراً على صراع نفسه بين ذكورة بائدة وآمال أنثوية في الاستيعاب والتشبع.
سألني زميلي صباح اليوم: هما الفلسطينيين بقوا كام؟؟؟؟؟
درءاً مني عن إسماعكم ألفاظ قد تخشون سماعها فلن أملي عليكم ما أسمعته من "أباحة" كادت تصل لسحب صفيراً مقرقراً في تهدج مقصود لولا حيائي الذي أعيش به للآن.
صرخ العرب أين العرب والعرب لا يردون لا يسمعون لا يتلصصون لا يشتاقون ..
الأعمى يشتاق للبصر والأصم يهيم بسماع حرف ساكن والأخرس يستنطق الكلمات بأصوات غبية والعرب لا يزالون يبحثون العرب!!
ومن جملة الصراخ تهافت الكثير من الأغبياء عن دور مصر في الحرب الاسرائيلية الغزاوية ولن أتطرق للفصل السخيف بين مصر شعباً ومصر نظاماً فالنظام مقروض من أطرافه بالسرطان ويتكيء أساسه على خازوق من الفوضى والارتجال والشعب متشعب يتكسب يتربح يحلم بتخطي حاجز الألف جنيه الراسية كجبال الهملايا رابضة راسخة ..ينتظرون يوم يتسلقون سلسلة رُزًم الألف جنيه.
شعبٌ أعيته سبل الرزق ولقمة العيش الملعونة..
آدم عليه السلام خرج والتفاحة تفرز عسلها في يده والمصري أخرجته لقمة العيش من دينه.
إذا كان الأمن المصري قد سحل المصريون في المحلة يوم انتفضوا لأجل لقمة العيش فباقي المصريين في أنحاء الجمهورية لم يخرج منهم إلا متظاهرين في أعداد يخجل من عدّها وحسابها ابن الثالثة من عمره وباقي البقية يلعب السبع ورقات لتجاوز رزمة الألف ..للإمساك بتفاحة آدم في أعلى شجرة الدنيا.
إن كان هذا رد فعل المصريين إزاء المصريين فماذا يطلب غير المصريين من المصريين.
كلنا في الفلس والطين مغروزين مغروسين.

أحمد زكريا منطاوي

الخميس، 13 نوفمبر 2008

أول مرة..قصة قصيرة

( أول مرة ! )

الصيف راحل والخريف آت في حرج وحياء من هيبة الصيف. فالظهيرة تُبروز قيظ الشمس. تأفل الشمس فجأة خلف ستائر السحب المُسدلة في مشهد نادر .يهدر موتور السيارة .. ولكن الأب يُوقف الابن ..
- وسع ..وسع..انا اللي هسوق المرادي.
بُهتت وجوه أولاده الثلاث إلا الزوجة التي غاصت في موجة ضحك لم تخرج منها حتى رفع الأب من حدة نبرته صوب ابنه..
- سيب الدريكسيون..انا إللي هسوق..قوم يلـله.
- في إيه يا سمير؟! ما تسيب الواد يسوق..من ساعة ماجبنا العربية وهو اللي بيسوق..وبعدين جاي تنوي السواقة واحنا رايحين اسكندرية.
- أسكتي أحسن لك ..وسسسسع يا علي!
يهم علي بترك عجلة القيادة عائداً للخلف محل أبيه الذي كان يجلس في المؤخرة ؛لهبوط النوم عليه دوماً أثناء السفر.وهذا ما يتفق مع بروتوكولات قيادة السيارة غير الرسمية ،فلا يصح أن ينام من بجوار السائق.فالأم تجلس في الأمام تداعب إبنها –السائق- وتعطيه ما لذ وطاب من الطعام والشراب.
خارج السيارة إعلانات عن شقق وفيلات فاخرة وشاليهات أفخر وسيارات أحدث الموديلات.
يجلس الأب، يمسك عجلة القيادة في رعونة واضحة..برقت لها عيني الأم ..
- إتعلمت السواقة إمتى يا سمير ؟!
- دلوقت تشوفي إمتى إتعلمتها.
يحاول تدويرها ويُسمع صوت كحكحة تخرج من "شوكمان" السيارة وتتوقف ثم تعود للسير مرة أخرى..وقاموا جميعاً بالتصفيق للأب القائد !
طوال الطريق ظلت الأم تمدح طريقة قيادة زوجها خافية عنه مشاعر القلق والتوتر ولكن لم تستطع خفيها عن أبنائها في الخلف وكان علي يلكز امه بين الحين والآخر ساراً إليها بخوفه من أسلوب قيادة أبيه مما أكسبها خوفاً زائداً.
- شكلك عاوز تنام يا سمرمر ..الإجهاد باين عليك..قوم يا علي سوق إنت ..خللي أبوك يريح له شوية.
يضحك سمير ضحكة تُظهر مدى فهمه لها ،فعِشرة 26 سنة تكفي لفهم أكثر الأشخاص غموضاً على وجه الأرض .ولازالت تحاول إبراز حيلة أعقد وأحبك من سابقتها لعدول زوجها عن ترك عجلة القيادة وكلما انحنت السيارة و انعطفت على فجأة دخلت في هيستريا من الخوف مرددة آية الكرسي التي رددتها مايزيد عن السبعين مرة.
في الخارج مسجد علته غبرة الأيام والإهمال وقلة يتسولون الصلاة داخله.
- قريتوا دعاء الركوب يا ولاد.
ينظر لها زوجها ثم يقهقه ويضحك ابنه علي بينما سيد يعاني من بوادر تقيؤ لذا ظل معانقاً للشباك الأيسر للسيارة وسارة تغط في نوم عميق.
في الخارج كمين يربض فيه عساكره وضباطه كنمل أسود يحوم حول جثة صرصار متعفنة.
- سمعتوا عن حكاية قانون المرور الجديد؟ (قبل أن يهم علي بمداخلة يلاحظها الأب في مرآته فيقاطعه) عاوزين يشفطوا كل فلوسنا بأي حاجة وبأي شكل..هنلاقيها منين والا منين؟!!..ضرايب عقارية والا ضريبة الدخل والا ضريبة المبيعات والا أسعار البنزين المولعة والا المرتبات العيّانة..والا الدروس الخصوصية والا مصاريف الدراسة والأكل والشرب ..(ينظر لهم في خبث)دا غير حكاية المصايف اللي طالعالنا.
- إرجع بينا ع البيت يا سمير!
قالت الأم في تحدٍ ساخر وينفجر الأب ضاحكاً وابتسم علي ورسم سيد ابتسامة شحيحة واهنة لم يلاحظها أحد.
- فين الحزام يا علي (ثم قاطعاً نية علي في الإجابة) خلاص لقيته..وآدي الحزام يا ولاد الـ.......
- ماترميه على جسمك وخلاص زي ما علي بيعمل.
- بس يا ولية ..هتودينا في داهية..ليلقط الرادار كلامك ..يطسنا مخالفة وغرامة ومش بعيد حبس.دا أنا سمعت إن كل كيلومتر رادار مخفي.
- طب بُص قدامك ياخويا..وسيب إزازة العصير ..العيال ماداقوش منها حاجة.
لم يكن يتحدث في العربة إلا هي وزوجها وكانت هي الأكثر مبادرة بالحديث وظل علي متوارياً خلف كرسي الأم وخجله فهو لم يعتد فتح حديث يشارك فيه الأب إلا لأضيق الحدود أو لحاجة ملحة كالعشرين جنيه التي ينزل بها لوسط البلد مشاهداً لأفيشات الأفلام فقط حاملاً صفيحة الكوكا التي يعشقها أو عشرة جنيه مواصلات للبحث عن عمل ينتشله من بطالته.
تتوقف السيارة انتظاراً لسارة التي ذهبت تملأ الزجاجات الفارغة من ثلاجة المياه التابعة لمسجد. فجأة نظر الأب إلى علي ومسح بيمناه على رأسه وجبهته ونمق حاجبيه وفرك عينيه وعلي ذاهل خجل.
- ساكت ليه؟!..عشان قلت لك قوم أسوق بدالك.
- لا والله العظيم أبداً يا بابا.
- خلاص تعالى سوق إنت ..أنا تعبت.
- لا يا بابا سواقتك تحفة والله.
لم يقلها علي إلا خجلاً من أبيه وعاتبته أمه بنظرة قوية وحادة جعلته يتصنع النوم.
في الخلف سيد لا يزال يعاني وحده وسارة تحتضن زجاجات المياه المثلجة -الملفوفة بورق جرائد حفاظاً على حرارتها- بإخلاص وكانت قد سقطت في بئر النوم .وعلي نام فعلاً فالنوم لا يجدي معه مزاح أو اصطناع ،النوم نوم ..حقاً النوم سلطان.
على الطريق سيارات كادحة وأخرى سافرة يناطحون بعضهم لأجل الوصول لأهدافهم.
تتمازج ضحكات الزوج وزوجته وتتشابك حكاياهم وتكتشف بعد إتمامها حكاية عرفتها عن أحد الجيران أن زوجها ملماً بها قبلاً ولكنه ترك لها المجال تعبر عما يدور بداخلها.
- أنا بس سبتِك تحكي براحتِك مش لازم يعني اقاطعِك..تعرفي ان نص النكت اللي بسمعها عارفها من 30 سنة بس ماينفعش أقول للحاكي..عارفها !..بالعكس..اتصنع اندهاشي واستغرابي وارسم الضحكة بين الجملة والتانية وعليهم توابل من كلمة اه ويالهوي وياخرابي وفي الآخر أنفجر من الضحك لدرجة يشك فيا حاكي النكتة.
قالها وانفجر ضاحكاً.
- يالهوي منك أكبر منافق فيكي يا مصر.
وانفجرا ضاحكين.
- بص قدامك كويس..إحنا مش راكبين طفطف ياخويا.
ولأنها كانت المبادرة بالحديث فكان الصمت هو السلطان الآن ..صمتت فصمتت الحياة داخل السيارة التي بين الحين والآخر تنعطف على فجأة فتشهق الأم ثم زافرة الشهادتين مع إبتسامة تداعب زوجها لقنص أي توتر تصدره إليه.
يدير الكاسيت على أغاني شبابية ثم مصفقاً في حالة من الجنون الوقتي التي تنتاب أي منّا بلا سبب نعقله. وكان سيد قد فرغ من تقيؤه خارج السيارة ولكن الهواء أعاده للباب مما أعطاه منظراً قبيحاً وأسعفته الأم باللازم للخلاص من بقايا تقيؤه على ملابسه مما هيأه للدخول في بهجة الشطط العقلي التي ألمّت بأبيه.
- تعرف يا سيد..وأنا قدك كدا كنت كل ماسافر لازم أرجّع..جدك الله يرحمه لما يئس مني كان بيشرط عليا أجيب معايا كيس بلاستيك عشان لو مانفعش أركب جنب الشباك اذا حد من الركاب أصر .."يا الكيس البلاستيك يا إما مش هتسافر!!" (ثم في تنهيدة زفرها ممطوطة)هه الله يرحمك يابا ..وكنت اول ما اركب العربية أقعد أفكر في الترجيع وامتى هيباغتني وازاي استعد له..لغاية مايستولى عليا وأرجّع فعلاً والبركة في الكيس..بعد كدا اكتشفت إني لو مافكرتش في الترجيع مش هرجع..حاول ماتفكرش فيه وهو مش هيسأل فيك من أصله.
يضحكون جميعاً بما فيهم سارة وعلي اللذين استيقظا على تقيؤ سيد.
- كفاية قربت أرجّع.
قالها علي وانبسطوا على فراش البهجة.
- أول مرة أعرف إن السواقة حلوة وجميلة أوي كدا..لو كنت أعرف كدا ماكنتش سبتك تسوق خالص ياواد ياعلي.
- هو يا أخويا كان لازم تسوق المرادي، قالت الأم.
- مسيري أتعلم.
قالها في حزن ونظر لأولاده في حنو وعطف اقشعرت له أجسادهم.
- بقالنا أد إيه يا فاتن ماروحناش مصيف ؟
- 4 سنين وشهرين ياخويا.
- وشهرين يامفترية !.وكام يوم بالمرة ..يالهوي على ذاكرة الستات.الواحدة منكم زي نتيجة الحيط مستنية اللي يقلب ورقها يعرف اليوم والسنة والشهر وممكن حكمة اليوم ع السريع كدا.
- أيوة ياخويا مانت المرادي مودينا مصيف في تسعة..في حد يصيف في تسعة ؟!
- تسعى في الخير.
قالها كعادته في طي الكلمات وثنيها لتوائم جملاً أخرى قد تُضحك ولكنها في الغالب تُسكت من يسمعها.
على الطريق سيارة تعطلت وأصحابها يقفون في أشد العوز لا يُعيرهم أحداً أي إهتمام.
محمول علي يرن ولا يحرك له ساكناً .علي وسارة وسيد جمعهم النوم في تمازج عبثي غير مفهوم كألوان لوحة سريالية لفنان مجهول .
يمد سمير يُمناه على رأس زوجته ماسحاً ذرات التراب وبلورات العرق عن جبهتها.نسيَت أن على زوجها متابعة القيادة وكانت العربة تسير بربع بال سمير.
- يااااااااااااااه من زمان ما لمستنيش..ليه كنت قاسي علينا طول الزمن دا كله..عمري ماحسيت بحنيتك من بعد جوازنا.في فترة خطوبتنا كنا زي الفراش ما يعرفش إلا الألوان وبس يطير من لون للون.
تنعطف السيارة يمنة سرعان ما يعدل مسيرها ربع بال سمير وربما الثمن.
- الدنيا بمشاكلها واخدانا مننا..أنا بتشفط يا حبيبي..الحلو فيا بيتقتل كل يوم وماملكش غير اني اقف اتفرج. (قال سمير.
على الطريق حادث اصطدام عربة نقل بسيارة ملاكي صغيرة والجثث ملقاة على الأسفلت الملتهب.
فاتن تعلم أن زوجها قد ترك عجلة القيادة تماماً ولكنها لم تنبهه لذلك.سارة وعلي وسيد يحتضنهم النوم.
سمير وفاتن ينظران للخارج ثم ينظران لبعضهما.عجلة القيادة تتلوى في عشوائية بين يدي سمير والسيارة تتلوى هي الأخرى على الطريق.
سمير يأخذها في حضنه معانقها.تذوب بكل مافيها فيه.كان كالقدر الذي يغلي بالزيت لكنه لم يذق منه إلا ندماً على الأيام الفائتة غائباً وعيه عن إدراك لحظات الحب والوجود هذه.
السيارة تميل بعرض حارات الطريق والسيارات الأخرى تتجنبها وبعض أصحابها يشتمون سمير.هزات العربة تقتل غفواتهم سيد وسارة وعلي.
- حاسب يا بابااااااااااااااااااااا.
قالوها في صوت واحد .ومالت السيارة على جانبها الأيمن وأصيب كل من علي وأمه إصابات أعمق من الباقي.سيارات الشرطة –التي أتت في سرعة غير معتادة- تطوقهم –وربما لتطويق البهجة أيضاً- بأصوات سيريناتها المفزعة ولكنها لم تُفزع ضحكات فاتن وسمير رغم الألم الشديد.ولأول مرة ؛أمام أبنائهم؛ يحتضن سمير زوجته ولم يكن حقيقة الأمر أمام أولادهم فقط بل أمام جمهور المتفرجين والمسعفين.
أحمد زكريا منطاوي

الاثنين، 26 مايو 2008

هايم سيما

هايم سيما
Death Sentence


يُقتل الإبن ..الأب الشريف يثور.. يبحث عن العدالة.. يُصبح قاتلاً..يفقد زوجته ويكاد يفقد إبنه الثاني..يثور مُجدداً باحثاً عن العدالة المفقودة..يصير مُجرماً..الإبن الثاني ينجو !
مراحل مختلفة لفيلمنا عرج عليها حتى الوصول لذروته حيث ولوج عالم العصابات الذين يتكاثرون تبعاً لمنطق أنت منَا شريطة كونك قاتلاً ،فشهادة وجودك بينهم أن تقتُل أي نفس مهما كانت بريئة وغير ذات صلة بأي مُشكلة ...
يبدأ الفيلم برصد لحالة الأسرة المترفة حيث الإبن الأكبر الذكي والأصغر المُتبلد في نظر الأب والمؤلف لم يَغُرْ في شخصيات الأبناء ليعكس هذا الإحساس بل عرض هذا الإنطباع من خلال حديث ونظرات الأب المملوءة فخراً ومباهاة بهذا العبقري الفذ بينما الثاني مُنزوياً وملوماً محسوراً أما الأم تعدل كفة الحديث وتسوّي الضغائن التي بينهما .نعت بالغباء للأصغر من الأكبر ووسم بالمُبالغة وعُهر للكبير من قبل الصغير.
الأب يُحدث الأم ؛عبر الهاتف؛ عن إمكانية سفر إبنه العبقري لكندا لإكمال مشواره الإحترافي في لعبة الهوكي ،عصابة تقتحم البقالة حيث إبنه الأكبر يشتري عصيراً فتدخل العصابة ويحدث ما أسلفت ذكره.الأب ينهار ولكنه يكاد يمسك بالجاني ويتحيّن له رؤية وجهه ولكنه يهرب.
الأب لا يشير للمتهم في المحكمة للحصول على إنتقامه اللذيذ بعدما نما لعلمه أن الجاني لن يمكث في غياهب السجن إلا سنوات ثلاث .يُقرر الإنتقام بحثاً عن العدالة بدلاً عن عدالة القضاء الأعمى !
الفيلم عبارة عن ميكروسكوب سينيمائي لحالة "شهوة القتل" أو "لذة الإنتقام" التي غرزها الله فينا غريزة في تلك النفس التي ألهمها الله فجورها وتقواها.فكلنا فينا ذاك المجرم واللص والداعر والمتقي والصالح والورع لك أن تختار من تكون مهما كنت أنيقاً ببزة ؛أو بدلة؛ فاخرة ومديراً في أشهر المؤسسات كما هو بطل الفيلم
Nick Hume.
إستخدم المُخرج
James Wan براعته الفائقة والمعهودة كما رآها الكثيرون في سلسلة أفلامه "SAW" فهو يمتلك ويجمع بين لغة بصرية بسيطة وعميقة بحرفية مُتقنة ويتضح ذلك من خلال بعض اللقطات في فيلم المقال حيث يبرز مشاعر البهجة داخل الأسرة رغم الضغائن المُشتعلة بين الأبناء من طرف خفي وكان من أبرز وأقوى مشاهد الفيلم والتي أراها تستحق وحدها من دون الفيلم مشهد هروب نيك هيوم من أفراد العصابة حين محاولة إغتياله في الشارع وعلى مسمع ومرأى من المارين والعابرين ،حيث يُخرج "جيمس وان" مكنونات السرد الروائي لمؤلف الفيلم Brian Garfield حيث لحظات الخوف والجزع التي ملأت جسد "هيوم" ستشعر وكأنك ضحيتهم وستصبح أنفاسه أنفاسك وتقنع ببصره أن يحل محل بصرك وستحاول مساعدته للخروج من هذا المأزق ،فأفراد العصابة يلاحقونه ..أنفاسهم تغري نفسها بالحصول عليه بينما أنفاسه تبحث عن مكان آمن.نجح "وان" كما هو متوقع منه في الحصول على أنفاس المشاهدين واللعب بمشاعرهم ونقلها من التعاطف إلى الخوف إلى حتمية الإنتقام حتى كونك تصبح مجرماً كان بيد المخرج لا بيدك !
هذا الفيلم عن رواية لبريان جارفيلد كما ذكرنا والتي أحداثها لا تبتعد على الإطلاق عما حدث للولايات المتحدة في 11/9/2001 حيث سقوط البرجين التجاريين وإنتفاضة الولايات المتحدة لسحق أفغانستان ثم العراق ومؤخراً هجاء إيران وسوريا وحركة حماس كأن نيك هيوم هو أمريكا في بدلته الأنيقة وخلو أطرافه من الدماء حتى يُقتل أعز ما يملك إبنه العبقري وعندما عجزت العدالة العمياء عن رد الحق له صال و جال للحصول على دم إبنه وذلك كما حدث في أفغانستان والعراق و الصومال و السودان،رسالة من المخرج وكاتبو سيناريو الفيلم. رسالة معبقة بأجواء السبعينات من مؤلف الرواية التي خطها بيده خلال العام 1975 !!.
في نهاية الفيلم يجمع نيك هيوم و Billy Darley أريكة واحدة ينظر فيها القاتل للقاتل ويتفوه بيلي دارلي زعيم العصابة شامتاً " لقد أصبحت مثلنا " ثم يبتسم !
أداء
Kevin Bacon "نيك هيوم" جاء متقناً وساعد الحبكة الدرامية على الخروج في أبهى صورها وأدّت Kelly Preston "هيلين هيوم" دور الأم ببراعة وبساطة جعلتك تعيش كمدها وإنكسارها على رحيل الإبن وأعجبني بشدة John Goodman "بونس دارلي" في دور والد بيلي دارلي حيث يعمل تاجر للسلاح يبيع السلاح لإبنه ولـ "نيك هيوم" لفرط حبه للمال.



منطاوي


















John Goodman as Bones Darley
























Kevin Bacon as Nick Hume










Garrett Hedlund as Billy Darley

الاثنين، 19 مايو 2008

هايم سيما




هايم سيما






سلسلة مقالات عن الأفلام المصرية والغربية






قــ..ر..يــ.. بــــاً






الثلاثاء، 6 مايو 2008

أوكازيون تفويت الفرص في مصر المحروسة من "شعبها"

لم يكن الأمر هذه المرة إنتظاراً محوّراً ومشرنقاً في فكرة المهدي المنتظر أو إتباعاً لسياسة رُب خلفٍ أفضل من سلف أو ربما دعوة للتحرر من الظلم الواقع بنا ممن فوقنا أو من يعيشون رغد الحياة من خلالنا وبيننا..نظام الحكم في مصر يصنع بنفسه تابوت الخلود في معبد من الطين والقش لن يدُم في الذاكرة إلا حين التندر بأيام تكاسل فيها الصبر وأصبح حكمة معقدة ومتجذرة في نفوس المصري ،لن يتحرك المواطن المصري صاحب الحق ولن يصرخ المظلوم أمام الظالم غير العابئ بتعفن الناس أحياءً ولن يشكو مجرد الشكوى إتكاءً على مسلات وبرديات الحكمة التي ورثناها عبر قرون الصبر والإنتظار ..فالهرم بنيناه بالصبر والهم جذرناه بالصبر وابو الهول صابر لاينطق وكل شيء حوالينا في مصر صابر صامت منتظر إلا.......إلا النظام الحاكم يسعى سعياً حثوثاً لبناء نعشه بنفسه في إعتداد وثقة وهيبة أكسبها إياه المواطن المصري المغبون حقه بإرادته ،لم نشارك او نساعد حاكمو بلادنا في إنجاز بناء النعش بل ننظر في صبر ونفوّت الفرصة على أن نسطر المجد بحروفنا -نحن- وبأقلامنا الجافة أحبارها ذات المداد من أغوار آبار في صحراء لم يصل إليها -وربما لن يصل- جافٌ حلقه..فوّتناها وقتما تعطل المترو فرصة الوجود الإعتراضي الإيمائي في حالة أضعف الإيمان وكتمناها في تلافيف أمعائنا المسرطنة هذه الكلمة البائسة الحزينة "حسبي الله ونعم الوكيل"فوّتناها وقتما أعلن الشامخ في جلاله وإكرامه زيادة العلاوة كأن نظراؤه لم يؤتين حكمته الميثولوجيّة المسطرة في ديباجات أساطير الخالدين وبعد إعلانه تخسف بدعوته الحكومة أرضاً كخسف قصر قارون في لحظة غفوة منتشاة فتزيد أسعار البنزين وسلع أخرى في الطريق !!وبالرغم من الاستطراد الحثوث في حلقة التفويت المفرغة التي عششنا فيها -نحن- عناكب مصر الخالدة أو جعرانها إلا أن الأمل في الخلاص يُصك بإخلاص في كل حين من قبل حاكمي بلادنا ..وحتى لانضيع الفرص أو نفوّتها أبشركم بلحظات الغفوة المتكاثرة والمتوالدة الآتية من حاكمينا والتي لا شك تلد فرص الخلاص منهم بسرعة إن لم نفوّت الفرصة ..ستسألوني عن كيف الإستغلال والقنص للفرص سأقول أضعف الإيمان عدم الصمت فإن زدتم على الجهر بالحنق شيئاً فهو لكم .
أحمد زكريا منطـــــــــــــــاوي

الجمعة، 22 فبراير 2008

لعنة الصمت

(لعنة الصمت)



أنفاسٌ متقطعة موشجة بآلام تُعزف على أوتار السعادة.ليس في الامر ثمة ندم أو خوف بل لذة اللحظة.
نشوة اللحظة سعت في أرضها كثيراً.
تأوهات الألم الطروب تزداد .
صرخة متهدجة ناعمة ..آآآآآآآآآآآآآآه.
نظراتٌ من الندم المفاجيء المندهش المصدوم.
نظراتٌ من اللامبالاة المطأطئة الرأس ..مطرقة المواجهة.
صمتها يصارع صمته.نظراتها تستحيل وحشاً ضارياً . يريد المحافظة على نشوته وبقايا لذته. يزجرها .تكاد تثب عليه كاللبؤة .
نواحٌ مستكين يتناغم سرعان مايصبح كمن يمزق أوتار آلة العود ويكسر ظهرها الخشبي..ثمة المئات من الأيادي تدهس أصابع البيانو العتيق الفخم فيحدث زخماً من الأصوات المزعجة.
بس ..بس ..اسكتي.(يصرخ فيها كاتماً نواحها ببطن يده المكتنز).
بعد الاطمئنان من حلول الصمت خارج الشقة .أقدام حثوث تطأ الأرض مذعورة خائفة ناجية.تركها تنعي موتها أو ربما تبحث عن نفسها.
أغرقها في بئر حبه العميق.وكان صمتها الدائم من يمثلها في هذه الدنيا.لم يلح عليها كثيراً فقد قام صمتها -وليد حياءها- بالواجب كما ينبغي.تواعدا على الزواج وانتشيا بلحظات العشق ونظرات الهوى.
ظل يطارد صمتها المتخاذل حتى حدث ماحدث.
صمتٌ يتذيله خيبة شديدة .صمتٌ يركض بين أناس مولولون صارخون ..صادحون..لاعنون..ذوي جلبة..صاخبين..ناقمين..راضين.صمتٌ هارب من سكون إلى سكون.صمتٌ يبحث عن لاشيء.صمتٌ تبرأت أصوات العالم منه وسط هذا الصراخ والعويل والنواح.أكتاف تلكزها .جموعٌ تركلها.خبطة تجنبها يميناً..ودفعة تنحيها يساراً .صمتها أسير جمودها.
هِه هِه هِه هِه هِه هِه
تجري ..تهرب ..تهرب من لهاثها..إلى ؟
إلى أين ؟ ومن أين أهرب ؟أين أنا ؟
يطل الاستفهام الآن-مفاجئاً- عن كل شيء .تفتق تفكيرها عن أسئلة تنقر نقر الفراخ في الطين..مفتشة عن شيء..عن أي شيء.
مارأيك لو حضنت يديّ يديك.منعها خجلها من الرد لحظتئذ،فحضن يديها.
مرت بسلام..
ماذا لو لثمت يديك بقبلة حانية.فوجئت وتداخلت اِنطباعات مختلفة من الضيق والتبرم واللوم الصافي ،فلثم يديها قبلتين .
مرت بسلام..
شفتيك حبيبتي أجمل شفاه رأيتها في دنياي..هل لي أن .......؟! ،فقبلها واستقبلته.
مرت بسلام أشبه بسلام الجنازات..
أشتاق لمعارك البيت التي لاتعترف بمنتصر أو مهزوم.أتوق لصراعات أولياء أمري وأصحابه.لم أعد صاحبة لأمري من دونكم.
تنوح في انتحاب له أنين تتحشرج أنفاسه. تشبك يديها مغطية فرجها في حزن يعقبه بكاء جديد.
الصمت يفتش عن شيء ..عن أي شيء.
بابا ! أريد التحدث إليك بخصوص .....
بعدين ..بعدين .منال ..من فضلك هاتِ لي الملف الكبير باللون الأخضر على مكتبي.
تأت بطلبه في سرعة شديدة حتى تلحق بأمها .سلك المكواة يلتف على ساقها الايسر.تقع على الأرض .تتألم عن ذراعها.الأب يلملم أوراق الملف ساباً شاتماً.الأم في غير اكتراث خرجت.
تبكي وحدها في فراغ البيت المهجور..يملأه أصداء ألمها ونبرات حزنها.
تجري وتهرب .رفّت عيناها رفرفة متواترة منزعجة. ولازالت ..
هِه هِه هِه هِه هِه هِه.
لازال يفتش عن شيء أو عن أي شيء..
أنا خلاص ..فاض بي الكيل منك أنتِ وأولادك.
وأنا الأخرى.مللت هذه العيشة الممتهنة حتى كرهتك وكرهت أولادي..
صبري عليك نفد.اتركني لحالي واذهب مع الساقطة التي أعمتك.طلقني يازبالة .طلقني.
ماما! بابا!
أنتِ طالق ..طالق ..طالق.

هِه هِه هِه هِه هِه هِه هِه..
على وتيرة لهاثها لم تتغير .الصمت يبتلع كل تفكير عابر وكل نية فعل.إلى أين أذهب ؟ أمي أم أبي ؟ تركونا في البيت وحدي أنا وأختي الصغيرة.كلاهما في مكان بعيد مفترق.لكن! اين أنا الآن؟ ياإلهي كيف العودة للبيت فهذا الطريق لم أمر به من قبل !
جلبة تأتي من مكان غير بعيد.على أطراف الشارع المقبلة عليه،ثمة ولدان يلوما بعضهما البعض.اللوم يتطور لاحتكاك أجساد ومناوشات بسيطة.شتيمة تُقرع هنا وعتاب يُطلق هناك.بعض المارين يهتمون بالأمر، ينفضون تشابك الأيادي.يتصالحان ..ذاهبين الأيادي فوق الأكتاف.
ظلت تسير في كل طريق تراه العين.ظلت أسيرة صمتها.لم تفلح في الهروب منه.لن تنس وقتما نادتهما فلم تسمع إلا كلمة طلاق .
منذ نطقت آخر مرة بــ... "ماما! بابا! " .. "انتِ طالق ..طالق ..طالق " ،وهي لم تنطق ببنت نية لكلام.أو حتى سؤال.
تبكي في صمت جديد .قدست صمتها .كفّرت لسانها.
لم تسل أحداً ..وطأت بقدميها كل الطرق .دخلت بيوت ؛في إذعان مقتاد؛ وخرجت من بيوت.إستحل الكل جسدها المتصابي وذاقه من لاذوق لديه.إستطعمه ممتلئي الأرداف والبطون وخاويي العقول.وحدت جموع الطبقات المتفاوتة وانقلبت صراعاتهم احتفاءً بائتلاف جديد.صارت شعاراً للجميع وحلاً للكل.
تغطي فرجها. لم تنطق أو تسأل.ماتت بنات أسئلتها.جفّ حلق نواياها..تخشى السؤال عن بيتها فتكون الإجابة ..تهدّم ..وقع ..إنهار ..إحترق.
ظلت طريدة الصمت إلا لهاثها.
فشلت محاولات التفتيش عن أي شيء.
هِه هِه هِه هِه هِه هِه هِه هِه........

أحمـــــ زكريا ـد منطـــــــ وي ـــا..

الاثنين، 18 فبراير 2008

هروب

((هروب))






يصحو من نومه ثانيا جسده المستقيم يتثاءب في استطالة من الوقت ..أثناء تثاؤبه يلحظ نظرة أخيه المتحجرة ..يتظاهر بالتثاؤب يطيل في زفيره ..رئتيه تشتاق لشهيق جديد بينما هو يرفض موعناً في اطلاق زفير أبدي ..أخاه لايزال ينظر نظرة غامضة لايُفهم لها معنى..
أتعني اندهاشاً من شيء أم يطوي خبراً مشؤوماً في ثناياه أم رؤية بثرة جديدة في وجهي لطالما نصحني بالتخلص من البثور التي في وجهي ..لكن ماكل هذا الصمت المستفز..أووووووه لقد طال زمنها ..
- ما الذي كنت تقوله هذا ياساهر في منامك ؟
يعتدل في فراشه يطلب مزيداً من الشهيق مستنجداً كحجة تكسبه القليل من الوقت
- ماذا تقصد بسؤالك؟
- أعتقد أن ماقلته قد رأيته في منامك ..أنسيت أني مهتم بإشكاليات الأحلام وقاريء من الدرجة الأولى ليانج وفرويد وادلر؟
ينكس ساهر رأسه أرضاً ..يتذكر أو يتأمل.
لقد رأيت في منامي مايزيد على الثلاثة أحلام والثلاثة من أسوأ ماحلمت أو ماتفوهت به !!رباه كم من الأحلام فضحها لساني التعيس ..هل فضح أمري وأنا أقوم بـ ........ لالالالا أعتقد إذ كيف للساني ان يفضح سر الأسرار ..وماذا عن حلمي وانا أسب أبي وأتوعد أمي لكني لاأتذكر اي شيء من احلامي الا تقطعات وشراذم لامعنى لها ..أتذكر أني سببت وشتمت وفعلت اكبر الكبائر في منامي لكن لااعرف لماذا ولاكيف ولا إلام انتهى الأمر ؟ ليس هذا مايؤرقني الآن ..تباً لنفسي.. هل سببت أبي ونهرت أمي ؟وأعلن لساني الأحمق كل هذا !الويل كل الويل لك ياملعون ..ماذا أفعل بك ..لماذا لاتنطق..فالح في النطق فقط وقت الفضائح وقتما الكشف عن أسراري يالعين..أما الآن يصيبك صمت عاجز ..لعنك خالقك !
يقرأ أخوه من كتاب يمسكه في يديه بصوت عالي راميا بنظرة ساخرة صوب ساهر :
- يقول سيدنا علي كرم الله وجهه .. المرء مخبوء تحت لسانه .
صمت ساهر يزداد غوراً وعمقاً وهروباً من الرد .
بمَ أرد وأفصح ولماذا لساني عاجز عن النطق الآن اذ يتضح من نظرات أخي أنه نطق بـ ........ لا غير معقول ان يكون قد كشفه ..إلا هذا الأمر لاأظنه قد كشفه!
ينفض ساهر آثار النوم من وجهه ،أخوه ينظر في الكتاب بتصنع واضح عيناه تفضحانه ترمق ساهر بين اللحظة وأختها ..اسباب النوم تنزل سكينتها على ساهر ينفضها-ثانية- بسؤال صارخ:
- ماذا قلت في منامي ..هل قمت بـ....(يشير بسبابته ووسطاه صوب الخارج )
يوميء أخوه برأسه ..يعالج ايماءته بسؤال داهم :
- أترغب في الخلاص من أبيك وأمك ؟ وماكل هذا اللعن والسب والكره والضغينة؟أهذا جزاؤهما منك ؟!
الدهشة تبتلع كل كلمات ساهر ولسانه يقف موقف العاجز يحس بتأنيب الضمير ..منكمشاً يكاد يسقط في الحلقوم قبل أن يمضغه ساهر غيظاً وغضباً .
يستطرد الأخ في هدوء عن عمد :
- أظنك لاتعرف أن بعض ممانحلم به هو رغبة عجزنا عنها في الواقع فيحققها لنا الحلم ؟،لماذا تنظر إليّ ببلاهة هكذا ..ان كنت لاتصدقني خذ هذا الكتاب لفرويد واقرأ مافيه فقد تصدق قولي .
ينحي الأخ الكتاب الذي في يده جانباً ويتناول كتاب تفسير الاحلام لسيجموند فرويد يمد يده لساهر. كالثور قبل اعلان خواره يتراكم الغيظ داخل صدر ساهر على اطلال الذوق والأدب ..ينفجر صارخاً بكلمات متقطعة ..يمسك بالكتاب يفت عضده ..يرمي به في وجه أخيه:
- أي سفه هذا..تباً لفرويد ..أأقتل أبي وأمي ؟ أجننت ؟ وهل السب والشتيمة يفضيان الى قتل ؟
- ليس في كل الأحوال ..لكنك بالفعل كنت تقول في الحلم "سأقتلكما ..سأتخلص منكما .."
كالبالون الممتليء شكه دبوس.. ينفجر ساهر متراخياً على الأرض مستمعاً لحديث أخيه الذي انتهى بالفعل ولكنه لايزال ينتظر البقية-التي خلُصت- في صدمة قتلت التفكير ..حاول ان يتذكر الحلم لم تسعفه ذاكرته ..خذلته حين طلب منها المداد والعون حفظاً لآخر قطرة ماء في صحراء وجهه .
يخرج أخوه مستأذناً ..لم يعِ الاذن ،يتبدل المشهد ويتغير ..سريره يختفي.. كتب أخيه تنعدم ..الألوان تستحيل فراغاً ..سحب بيضاء مهترأة تحل محل السقف ..الأرض تنشطر نصفين من تحته كل ماعليها يغور ويغور..الماء يخرج للسطح مغرقاً كل شيء ..ساهر مُتعب مرهق من التفكير لايحس بأي تغيير ..الماء تقترب من عنقه ولازال غارقاً في عمق افكاره ..حتى اذا ماأحس الغرق فعلاً ..الماء علت شعر رأسه شبراً ..ينتفض خارجاً للهواء منتزعاً أكبر قدر من الشهيق.. فتحتي الانف تتسعان عن آخرهما وانفراجة فيه تكاد تكسر فكيه..يرى بالقرب من الشاطيء اثنان يعرفهما ..يضيق عينيه ..يفركهما متخلصاً من الماء المالح ..يبتسم بشدة ويفرح فرحاً شديداً كاد أن يغرق على إثرها ..راح يلوح ويشير ..مخرجاً ذراعه اليمنى بأكملها بقوة ..يتبعها غطسة بسيطة في الماء.
أميييييييييييييي.. أبيييييييييييييييييييييييي ..لم لاتأتيان إلي فأنا أغرق ؟ انا على مشارف الموت ..لاتتركاني وترحلا ..أمي أنا أحبك لاتتركيني وانتِ تحبيني اليس كذلك ؟ارجوكي ردي ياأمي ..أبييييييييي ، الماء تطمس معالم جسده شيئاً فشيئاً الأبوان يختفيان من المشهد تماماً ..ساهر يغرق تماماً ..يموت ..
فضاء شاسع يخلو من الوجود والعدم ..ساهر يرقد لاهنا ولاهناك ..جسده مكسو باللون الأحمر القاني ..كتلة من الحمم البركانية الخالصة ..يظهران هذه المرة بنظرات جافة لاحيوية فيها والوجوه شاحبة لاروح فيها والأجساد قطعة واحدة مثالية الشكل لابروز فيها إلا عند منطقة القلب نتوءات مدببة بارزة لها شكل صخري .
لماذا لم تنقذاني ؟أي جحود هذا ؟ هل مات قلبكما ؟ أأقول لكما أبي وأمي أم كُسر هذا الرباط الندائي؟ هل انا ابنكم ام ابن حرام ؟ هل ملامح وجهي تؤوب الى انتفاء نسبي لكما ؟ لا ليس هذا هو السبب فلو كنت ابن زنا ورآني غريب عالمُ بالأمر لما توانى في انقاذي ؟ انه الكره والحقد في صميم القلب ..نعم ! أنتما ..يابنت السافلة وياابن الحرام ..
سأقتلكما ..سأتخلص منكما !
سأقتلكما ..سأتخلص منكما !

سأقتلكما ..سأتخلص منكما !

الأم تدق الباب ..ساهر يصحو من غفوته ، هياااااا .. قم من الأرض ياحيوان واغسل وجهك العفن !








>>><<<







على طاولة الطعام الكل يجلس في موقف المستلهم لأفكارها وروائحها إلا ساهر له طاولة أخرى يفترشها في عقله لايقربها او يتذوق ماعليها فهو مستنكر رافض لما حدث ،يالي من أحمق أكُل هذا العته مخبوء في داخلي ولم أره وعندما أراه يكون أخي شاهداً يالحسرتي،دمعة تروح وتغدي بالقرب من قعر عينيه متوترة لامستقر لها يدفعها حزن وصدمة ..يسحبها حياء وخوف،يستدير بعينيه مع ثبات كامل جسده ورأسه تجاه أخيه المصدوم ..العينين يرسمان عبر الاثير اشارة لــ.. لا كبيرة لا مستنكرة.. –لا- تٌعلَن في سر لا ينفذ جداره سوى عقل الأخ ،الأب رامي كامل حواسه حتى السادس منها في بطون الطاولة الحافلة بالطعام وساهر متأفف ،الطاولة عليها لحم نيء طازج يسري فيه الدم الأحمر في حيوية دونما اي تجلط ..

إنها آذان وهذان ذراعان وذلك خصر تلفه انثوية وهذا ...وذاك... ،ياإلهي إنها أمي ..كيف ذلك ؟ وأبي هو الآخر ! ،ماذا تنتظران وماهذا الاستسلام منكما؟ جثتان تنتظران ان أنبش فيهما اظافري وانيابي كالأسد الهائج على غزالة مترنحة..فريسة قبل ان تُفترس ..هل هو اغراء لي بالخلاص منكما أم دفعي نحو هوة الجريمة وفي حق من؟ أنتما ! مهما فعلتما أبداً لن يحدث ..أبداً.
صوت خشن متواتر النبرات المتقطعة يمزق نسيج أفكار ساهر :
- مابك ياولد ..ما الذي حل بك مجدداً أيها الخائب المجنون ..أمك تشكوني حالك الغريب وأصدقائك الأغبياء لم أعُد أرى طلتهم البهية !
- من فضلك أبي.. اتركه الآن فهو مشغول بالتفكير في امتحان السنة الأخيرة له.
قهقهة تلبس حلة ساخرة متعالية ..من مكان قصي :
- ليتها سنته الأخيرة في الحياة كلها ..حتى نستريح .
تهرب دموع ساهر لأحضان خديه الباردين تكسبهما دفأً ينتشي بالمواساة والصحبة والرفقة التي فقدها ..
لا أشباحكم ولا أصولكم قادرة على اغوائي بالخلاص منكم ..لكن كل مايقتلني في كل لحظة هو هذا الشيء الغامض ..أخي يقول ان أحلامي نتاج كبتي وارادتي اللاواعية ..لكن لاأحسها أبداً ولاأشعر نيتها الحقيرة تلك ..كأنني جسد لعقل آخر ..ارحمني ياأرحم الراحمين ..أكاد أُ ُجن !ماهذا الذي أرى انه هو الذي اخشاه قد أتاني لطالما فكرت فيه واستعددت له تمام الاستعداد.. فلن يعلم بأمره احد ابداً.. انا في كامل وعي الآن سأحاربك لابد لي من انتصار، لطالما احتللت عقلي وشوشت تفكيري عن نفسي..جعلتني اكظم واكبت حقداً تجاه ابي وامي ..نعم هما لم يسمعا يوماً لندائي ولم يروني على حقيقتي..أرفض حديثهم..قد أرفضهم ..لكن لست بشعاً لهذا الحد الذي أ...، ..خوفي منك الدائم ذهبت مع ريحه آمالي إحساسي بكل شيء ..حتى أنا لم تعد أنا بل صارت أنت ..خوفي منك جعلني في موقف الجبان الخائن ابتعتني مني ..قبلت ..طلبت خنوعاً وصكاً بالتنازل عن كل شيء حتى افكاري قدمتها قرابين خشية قوتك..التي لاأعلم أين هي أو على الأقل أين ملامحها ..بالفعل فأنت وديع الشكل قزم الحجم ..لماذا خضعت وأذعنت لوداعتك !..ياحقير ياسافل ياابن اللئيمة ..ياإلهي .. أووووووه !!
يستفق ساهر من نومه فقد هاجمه النوم بشراسة، إستسلم له سريعاً والتحف الطاولة التي لم يمس منها مايفض بكارة الجوع ..نقله أخيه الى سريره وغاص في بحار افكاره ..هو وإن كان نائماً لكن يبدو انه دخل الحلم بارادته, اختار الدخول لاسرار عقله ربما يعثر على سبب جنونه المقترب لاشك .
الأخ يرمقه بنفس النظرة .ساهر يخفي في جيوب أسراره جبلاً من الشتائم لنفسه والتوعد والتهديد .
- ضحية جديدة في أحلامك التعيسة يا ساهر ..يبدو أن الأمر قد خرج من يديك كما خرج من أيدينا !
- بأيدينا! .. هل ؟ (يشير بسباته للخارج)
- نعم لقد عرفوا ..لشد خوفي عليك حرصت على ان يساعدوني لانقاذك من براثن الجنون والهرطقة.
حمرة عينيه-اثر صحوه المفاجيء من النوم- تفرز درجات قاتمة تلهث خلف اللون الاسود لكنها لاتناله ..الارهاق رسم كحلاً حول العينين المنهكتين ..الصمت هو الحاضر الآن جاثم على انفاس الكلام حتى الايماءات لاحول لها ولاطاقة ..عيناه تبرز فجأة خارج محيط جمجمته..
- ياأخي لكن هذه المرة يختلف عن كل سوابقي الجنونية إن كنت تعدني مجنوناً بالفعل !
- ساهر! ..ماكل هذه العدوانية ونوايا القتل والانتقام..ماكل هذا الكبت لكأنك عشت عمرك كله مغبون حقك مسلوب ارادتك ..معدم الوجود ؟!
- لقد عرفت سبب تيهي وضياعي ياأخي ..لاتتهمني بالجنون.. أرجوك .انهش لحم كرامتي ..كسر عظام رجولتي ..لكن إلا هذه التهمة ..إلا الجنون ياأخي ..فأنا لا أملك إلا هو ..عقلي.. انه حلمي وأملي ونور دربي تجاه الوحش الذي امتلكني في لحظة غفوة مني .
- ماأكثر غفواتك وجنونك...
الصمت ينشطر لصمتين..ندٌ في مقابل ند..ساهر وأخيه.
الأخ يستطرد: وحش ؟أي وحش يامعتوه ! أظنك تقصد حلمك الأخير ..انها اضغاث أحلام ..بالتأكيد تقصد ذلك .
- لا !
- أي لا تقولها ..أيها المعتوه أنت..الوحش هذا رسمه عقلك وقام بتضخيمه من خوفك وانطوائك من جملة اشياء حدثت لك،الوحش لايعني وحشاً بالمعنى الدارج ..فمن خاف عفريتاً ظهر له..وانت تخاف عفاريتاً كثر .
- أعلم انه ليس وحشاً انا لست بغبي لهذه الدرجة ..لكن...
- لكن ماذا؟ كفانا هرطقة وخوف وخنوع لأفكار بالية رسمها عقلنا المريض ..كفانا ذلاً لآلهة الخرافات..نحن في زمن العلم..العلم العلم ..العلم ياجاهل .
- سامحك الله..ياأخي فقبل العلم علينا بقتل الخوف فينا ..وخلق نطفة الجرأة والإقدام والحرية في ارحام نفوسنا ..التي وإن كانت في أرذل العمر فقد تلد كما ولدت امرأة زكريا –عليه السلام-
- الحرية لاتأتي بخرافاتك وهلوستك وعدوانيتك ..التزم الصمت ولاتفتح فيك ببنات احرف والا وأدتهن كما فعل اجدادنا في جاهليتهم !
- فعلاً فأنت أولى مناّ بالنسب لهؤلاء الجهلة ..نعم الحفيد لخير جد !
خرج ساهر من هذه المعركة محبطاً يائساً حزيناً فهو وحده الآن في مواجهة أخيه الذي كسب احترام وود كل من حوله بسبب نهمه و نهله من بطون العلم أما هو ففي نسيج عنكبوتهم-مخنوق- كالذبابة لاحول له ولاقوة ..
تباً لك ياأخي ياآخر أملي ..أعلم أني وحدي لن أقدر على شيء ..ليس يأساً مبرراً بعلل واهية ..لكني وحدي دونه ضعيف ..الآن عرفت لماذا نطق لساني بكل ماحلمت به. لقد أحس لساني بضرورة علم أخي بنيتي رغماً عني..لكن للأسف لم يكن يعلم هذا اللسان أن أخي قد تورط في .....
تورط أخوه في إسفافه للعلم فقط..ومَن حوله لايرون سوى العلم فقط ..لقد فهم العلم خطأ ً.
فالعلم وجد لفهم كنه الاشياء وماهيتها لا لتكسير كل الطرق المؤدية لأي فكرة..العلم يقبل كل ذي نسب به وكل غريب..العلم لايرفض الاشياء الا عند حتمية العلم بكارثيتها..ليس العلم اعمالاً للعقل وقوفاً كما الاشجار..بل رواحٌ هنا وغدو هناك ..سير ببطء أحياناً .ركض على عجلة مرات كثيرة..الكل تخلى عن ساهر.. اصدقائه.. ابيه وامه حتى اخيه .
مقص يلمع في الزاوية البعيدة ..تلمع عيني ساهر !

أحمد زكريا منطاوي

السبت، 16 فبراير 2008

بينما انتظر

بينما انتظر
(لمحات قصصية قصيرة جداً)
بينما أنتظر في الشارع واقفاً. احدى الرجلين منثنية والأخرى مستقيمة كالوتد الضارب في الأرض ورأسي –غالباً- كما العُقاب لايتلفت إلا لجلال مشهد والمشهد الأول كان نصب عيني تماماً ...عجوز مبطيء السير يسرع بين الفينة وأختها كلما تنبه بطئه الشديد تجرُّه حفيدته الصغرى منطلقة تشم النسيم المعبأ بالتراب ..تريد كسر هذا القيد الذي يلهث خلفها ..تعلمُ يقيناً أنها أرهقته ولكنه أكبر أغلال حياتها ..تتعقب بشائر الحُرية والجد قيدٌ لاينفك ..تصرخ،يعنفها،تبكي،يربت كتفيها،تسحبه،حثوث لركضها.كل هذا ورأسي لم تزد على ثباتها ولا لمح عين ..سبابة يده اليسرى صوب قاع الأرض وعين الصغيرة يلفحها ضوء الشمس ..العجوز يشكو ألم رئتيه الحثيثتين والطفلة تكاد تفصل ذراعها ،شوقه يمسك بتلابيب تطلعاتها ..سبابته على نفس اشارتها ،حسبي أنها بغير ارادته ..ولازالتا رأسي وعيني على ثباتهما !


....الساعةُ الآن لم تفلح في اجتياز الثانية ظهراً ..لم أمَلّ انتظاري ووعدي له لم يُحنث لحينئذ ..بين عقديه الرابع والخامس يقطن ،هذا الرجل صاحب "التروسكل" تبدو على وجهه أمارات الانتظار والترقب يتكيء بظهرانيه على بوابة كبيرة مخربشٌ عليها كتابات شرسة "احترس من الكلاب" ،بوابة لـ"فيلا" عتيقة حل التراب عليها ضيفاً ثقيلاً صار صاحباً للمكان ،بينما يُتمتم ناقماً يقطع وحيه المتألم هدير عربة لكأنها قطعة من "الفيلا" يفتح البوابة مسرعاً للضيوف أصحاب "الفيلا" ،تعترضه الكلمات الشرسة بتحدٍ بالغ ،تُهزم تطلعاته وتهوى،تصعقه كلمات من داخل العربة : استنى لما ننزل الحاجة .يفترش تراب الأرض لم يسأم انتظاراً وإن كان حانقاً ..وكان هذا المشهد عن يساري .

...أزيز دراجة بخارية يخترق أذني اليمني عن تأنٍ وهوادة ،يتصاعد ببطء..لم ألتفت بعد ..حسبتها ستمر سلاماً..لكأن الصوت ينذرني بقدومه ،فألتفت ناحيته ..عامل توصيل طلبات للمنازل كما يشهد صندوقه الخلفي ،رائحة أثيرية تزكم أنفي يتهدل لها لساني في شهوة مفاجئة ،اختفت الرائحة من على طاولة عقلي ولاحظت عينيه تُخفي أمراً عظيماً ،فرواحها وغدوها يميناً ويساراً زاد ظنوني أنه ثمة شيء غريب يفكر به..وجدت الرائحة تتجمع خيوطاً كخيوط الشمس أحدّ مافي الأرض لايقدر على قطع نسيجها،فهي كالإلهام نعجز عن كبح انطلاقه ،تتحزم الرائحة متجهة في اخلاص صوب أنفه،ينفض الرائحة رافضاً،مخلصة على اغوائه ،يقاوم هذا الاغراء غير المبالي،فتات حرصه على مايحمل يدفع الاغواء في ضعف،تدمع احدى العينين،يبكي كليةً،تجثم الرائحة على أنفاسه،لم يعد يشم إلا هيْ..نظرت في الساعة تجاوزت الثانية بخمسة دقائق ،لم أطق انتظاراً أكثر ،رحلت

أحمد زكريا منطـــــــــــاوي

اختلاس

اختلاس


رِجلٌ كما الوتد مضروبة في الأرض والأخرى يكاد يلامس ساقها الأرض ،متأهبٌ لأمرين عليه اختيار احدهما في التو والصوت المستنجد يشوش تفكيره ويعطل سرعة اتخاذ القرار ..بين الفينة واختها ينظر داخل السيارة سرعان مايرمي بصره حوله،كلما نظر في الداخل همّت رجليه بالانتصاب سعياً حثيثاً وعندما ينظر حوله تعودا لحيثما استقرا قبلاً.
يعض شفتيه ويمصمصهما بقوة حتى أدمى الشفا السفلي ،صفارة التنبيه تدوي في اذنيه مشيرة بسبابة اتهامها امام الناس، لحُسن حظه ان الناس لم يكترثوا للصافرة وصراخها..
فالناس حوله ،نصفهم منتظر في طابور العيش يلعنون بعضهم البعض وهذا يلكز ذاك وآخر يسبق سابقه وكثيرون يلحقون بالسابقين ،الصف يلتهمه صفوف اخرى نبتت شيطانية الصدفة وسلّم بوجودها الصف الحقيقي ولايزال الكُل يلكز ويضرب ضرباً مباحاً في مباراة شريفة لأجل الفوز بعيش السبق ،وأناس تروح وتغدو في عشوائية منتظمة لايبالون بشيء الا حين مرور سيارات الميكروباص الغاوية خشية انفلات اعصاب السائق المنفلتة دوماً،فالميكروباص كالسُبة على لسان ابناء الشوارع ، اصبح هو الطريق نفسه وأتخمه بحركاته كاسراً كل فلول اصنام الأدب والاخلاق ..
يغمغم لاعناً أين الحل ؟ ياإلهي الطف بي؟
يتأبط أوراق، ملابسه تتسول الأناقة ..الوانها جميلة عابها انعدام انسجام ،يركض ركضاً حثوثاً ،قطرات عرقه تتسابق الهروب من مسام جلده ..كالمصاب بالجديري حين تصبب عرقه ،شعره اغبر واظافره مقصوفة بعناية ،احدى الحذائين يلمع سواده ،الآخر قتل سواد لونه بعض الغبار..رباطه مفكوك ملتصق بنعله .
عرق إبطه بلل الورق والشمس نذرت ألا تغرب إلا وكل ماتحمله الاجساد من ماء قد خرج عرقاً ولو كان اصحابها في غور احلامهم ..
صوتٌ ينفذ مابين سندان ومطرقة أذنه محطماً جدار وعيه ،يقف عن غير اكتراث او فضول ،يجول ببصره ..والصوت معروف علته ونتيجته،ينفك تأبطه للورق قليلاً ،ماهذا ؟ زجاج مكسور ،لم تسعفه الدهشة وقتاً لاتخاذ اجبن القرارات..رِجلٌ تتأهب الجري ساقها يكاد يلامس الارض وأخرى دبت الأرض مستعدة للانطلاق ،ريحٌ قوية خلقت من رحم هذه اللحظة انتزعت الاوراق من إبطه المبتل ،حملتها الريح-بعناية فائقة- داخل السيارة حتى زفزفت ،ورقة ملتصقة بعرق الابط لاتزال عالقة ،الاوراق داخل السيارة وصفيرها لم يتوان عن التحذير والصراخ.. مخلصٌ في طلب النجدة ،تدمع عينيه من دون وعي ،الوجه يمسحه عرق الخوف ..يغور في تشحُبه ،مابين قرارين اثنين يترنح ،يسأل كلاهما المفر والقرارين عاجزين..
الناسُ غافلة للآن لو مددت يدي بسرعة أنتشل الورق ومن ثم اهرب كان هذا خلاصي .
يمد يده خلال الزجاج المكسور ..يُجرح ويدمي..حواف الزجاج المكسور تغرز انيابها في ذراعه ،يمد يديه يمسك بالورق ،دمه يسقط على الورق المبلل بعرقه ،أحس شيئاً يتلقفه ..
- امسكوه ..
- اللص البجح..
- لعنة الله عليك في كل كتاب
يبكي ويصرخ فيهم ،بريء والله صدقوني ياناس انا بريء .
الورق داخل السيارة كما هو وصوته يخبو ،بريء بريء بريء ،يفكر في ثاني القرارين ؛ ترْكْ الورق والهرب .
- أنا حُر في فلوسي وأملاكي عن أبي ولن تمسيها أنتِ وأولادك
- وهي من حقهم ايضاً كما كان لك الحق في مال ابيك
- أنا أبوهم حرٌ في تصرفاتي وعليهم سماع كلام (يصمت محاولاً قنص تبرير) كل اب وتربيته
- حرام عليك ،ناقص ان ترميهم في الشارع وتقول انا حر،لا نسمع منك كلمة ابوة الا حين طلبك الاذعان والانصياع التام، لم ترحمنا يوماً
- لاتكلميني بهذا الاسلوب والا رميتكِ في الشارع فعلاً لاقولاً ،اتركوني لعنة الله عليكم
جمع كل الاوراق التي بحوذة صندوقه الخشبي المتشقق ،مابين عقود امتلاك لعقارات وأراضي وشقق وودائع بالبنك.. يتأبطها بهستيرية، بينما يلعن ويشتم زوجته واولاده.
يدلف ناحية الباب .. يرمقهم وهم مصطفين في خنوع ،يااولاد الكلب يااوساخ..هذه حقوقي انا لا انتم ياأغبياء.
يرمي لهم الصندوق الخشبي فارغاً ،يسحب الباب في خيلاء حاملاً اوراقه يُدفع الباب على اثره مصفقاً.
ينظر للورق لايقدر على تركه والهرب، فكل املاكه وفلوسه بين سطور هذه الاوراق ،ينزع الورقة تحت إبطه فيجدها خطاباً راسلته به زوجته وقت خطوبتهما ،يضجر ويدمدم كالكلب المسعور ممزقاً الورقة .
كفّ الصفير عن نجدته الآلية ، يبتهج ويفرح فرحاً شديداً واذنه تطرب هذا الصمت الواجب.
فلوسي وحقي وكل ما ليّ في هذه الدنيا.
يرمي كامل ذراعه الأيسر داخل السيارة ،يمسك بالورق المختلط بالعرق والدم ،تتلقفه جمعٌ من الايادي تسبه وتلعنه وتؤدبه، بينما الصفير يصرخ من جديد.
أحمد زكريا منطـــاوي

فوضى الشك


(فوضى الشك)

عينيه جالت كل الفراغات ولم يجدها.يعتدل للخروج أو الهرب .قدم بالخارج وأخرى بالداخل .يدٌ غليظة تسحبه من سوار عنق جلبابه إلى أين ياوسخ ياإبن الكلب !تفترش كامل جسده .تضحك ضحكتها الفحشاء.حاولت قبل ذلك استقطاب ايجابيته وفشلت.تشهّيه لايرد ولايتحرك.ملقى على سريرها مشبك اليدين خلف رأسه ،جيوش حواسها تصطف قاصدة الفتك بتلك اللحظة الشهوانية.


شيخٌ كميش جلبابه، يلقي درساً على تلاميذه في أحد جوانب المسجد مابين صلاتي المغرب والعشاء.يتكلم عن كيف للشك أن يصل بالفرد للكفر والشرك بالله.جميع التلاميذ موافقون الرأي ومضمون الدرس بحسب إيماءاتهم وانطباعات وجوههم ،إلا هذا التلميذ الذي فرك رأسه مرات كثيرة ،يطرق الرأس ..ينظر لشيخه ..يفرك..يطرقها ثانية وثالثة ورابعة .
مابك ياولدي هل تُريد الاستئذان لغرضٍ ما ؟

لا سيدي .لكنها رُبما مداخلة بسيطة لو سمحت

تفضل .

يفرك رأسه بعض الوقت ويتكلم بينما رأسه متدلية على صدره ،ياسيدي سبق وان قرأت لأبو حامد الغزالي أنّ الشك أول مراتب اليقين فكيف تمنعنا أنت اليوم عن اليقين.
لاتنسى الآية الكريمة " لاتسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم " صدق الله العظيم.قالها في غيظ شديد بصوت متسارع كقرقرة الديك حين يزاحمه ديك.
يفرُك التلميذ رأسه-يائساً- لكن بكلتا يديه هذه المرة .
آذان العشاء يملأ جنبات المسجد يسبقهم الشيخ للوضوء ؛مجدداً وضوءه. بعض زملائه يلكزونه سخرية منه مستفزينه ..ناعتيه بالولد الفاشل..منهم من اكتفى بدفعه ملقى على وجهه وآخرون يقرصونه ويسحبونه من أم رأسه ماسكين بأيديهم بعض خصلات شعره-مفاخرة- ممازحين بعضهم .


تضربه أم بدوي على رأسه. تصفق بكفها على وجهه.تنهره ،قل لي بحق أمك ..هل انت رجل ام أنك من إياهم ؟انطق ياغبي ياإبن الكلب .
ظلت تلكمه بيديها الغليظتين -المقمعتين بالحناء البلدي- حتى أدمته وغاب عن الوعي .كادت تشج رأسه كمداً وغيظاً .يستفيق فتطرده لاعنة سابة افحش السباب.

درس جديد ،الولد في هذه المرة اكثر جرأة .فقط تنحنح فسمح له شيخه بالكلام -محدِّباً شفته السفلى.من فضلك أريدُ السؤال بخصوص هذه الآية { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } صدق الله العظيم . كيف لله ان يكون الكلام على لسانه ولايعرف حقيقة العدد ؟
بُهت الجمع الجالس من التلاميذ وعلى رأسهم الشيخ محمود:
"لاتسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم " صدق الله العظيم .قالها الشيخ في استنفار وتجهم ثم مستدركاً،اعترض على كلام ربنا ياولد !.يتفصد عرقاً.. ممسحاً اياه بمنديله المكتنز.
حزن التلميذ حزناً عميقاً. مطرقاً رأسه مرة أخرى ،وزملائه يلكزونه ويقرصونه ويسبونه .يُرفع آذان العشاء من جديد.تشيعُ في الحارة سيرة التلميذ الذي أحرج شيخه فلم يجد له جواباً ولاعلة.باعة الشوارع المفترشين الأرض والقائمين كلما رأوا التلميذ إما وبخوه او لعنوه او ضربوه .مابين سبة وركلة وسحب ودفع كان طريق التلميذ من وإلى درسه.لم يمنع كل هذا الامتعاض ان يسأل بعض الناس نفس سؤال التلميذ للشيخ الذي تفصد عرقاً غزيراً واحمرتا وجنتيه عن آخرهما تكاد تدمى.لم يجبهم وتركهم قاصداً البيت حتى أنه لم يؤمهم في الصلاة.طيلة أسبوعين لم يأت الشيخ يؤمهم كالعادة .وكان سؤالهم عن جهله الجواب قرين السؤال عن غيابه.وعاثت الأسئلة تفسد العقول ؛المشلولة الجواب.يزداد الطرق والقرع على بيت الشيخ .يسألوه سؤال التلميذ .قرع شديد ومحاولة كسر للباب.صراخ وعويل عند باب الشيخ، والشيخ لايرد.

بين كتب التفاسير لابن كثير والسيوطي وأخرى والمصحف سيد كل ماسبق ،جسده المتيبس وشعره المنسدل عن اهمال .متجهم الوجه باحثاً عن الجواب في كل الكتب .
رُحماك ياقرآن بي .رحمااااااااك .أين الجواب وأين يقيني ؟!

مشكلته هي يقينه الجاهل المتكيء على حجج فضفاضة لاتسمن ولاتغني من سؤال .ظل في خوفه ووهنه أوقاتاً طوال .استمر في تعاليه المصطنع حتى خسف به سؤال من تلميذ في سابع ارض.بقيت الشكوك تحوم حواليه كالنسور حول جسد يعاني سكرات الموت.تهافتت عليه صاحبة البيت الساقطة ذات وشم الحناء وحامت حول ذكوريته سالبته اياها، ترمي بشهوانيتها في حجر جسده .هرب من الحي فاراً إلى المرج قاصداً الخلوة بنفسه.سكن في بيت أم بدوي .تراكمت عليه ديون الايجار.دفعها شهوة ورذيلة لامرأة لاتشبع أبداً.تراكمت الديون وتكومت الأسئلة .ضعفت الحيلة ازاء الاثنين .أراه أشبه بصاحب بيت حل عليه ضيف ثقيل -لص- فلما أحس به صحا من نومه مفزوعاً .قرر الانتظار والتحلي بالصبر ريثما يعرف هدف اللص .أتى على كل شيء وحمله بينما صاحب البيت يغط في نوم عميق .انتظاره استحال كسلاً لم يقدر إلا على التثاؤب صبراً.
سخونة تلفحه ينتفض مغمغماً .الشمعتان تذبلان.ضوء بسيط تسلل من كوة في الجدار المتهالك.يكاد يختنق من شياط الرائحة .الستار الممزق احترق كلية.اسماله سقطت رماداً.المنضدة لم يبق منها إلا سطحها ؛يستحيل رماداً الآن.كل الكتب احترقت عدا المصحف الذي استحالت حوافه رماداً والوانه الذهبية خبت.

لااااااااااااااااا .. إلا أنت ياقرآن .. إلا أنت

السخونة تلفحه اكثر فاكثر .يتلفت حوله عله يجد النار التي تحرق كل شيء، فلا يجد الا الرماد غطى كل شيء .رأسه تتقرح .يفركها بقوة وهيستيرية فيدميها .القرآن استحال رماداً.يخر أرضاً متوسلاً الله الرحمة .الباب يُطرق .افتح الباب ياشيخ محمودباب ! شيخ محمود !كل ماصار رماداً يعود سيرته الأولى.الشمعتان تنتصبان .الضوء المتسلل يهرب.الستار يعود ممزقاً .المنضدة تترنح على اربع.المصحف يبرق لونه الذهبي.الكتب مشقوق بطونها .
يهرول ناحية الباب فاتحه.عينيه مواربة على اتساعهما تكاد تقفز من محجريها.

أنت يالئيم يامدسوس ؟!

ياسيدي والله لم اقصد شيئاً .

الصمت يخيم والنظرات تترقب ..

سيدي رأسك تسيل دماً.

الشيخ يسقط ارضاً فاقداً الوعي.تلميذه يحمله حتى الأريكة .يجلس بالقرب منه .

لم اعلم ان الامر سيصير إلى ماصار إليه .الاوضاع تسوء في حينا والناس لم تجد جواباً للسؤال.والفتنة تزداد يوماً تلو الآخر.اغلبنا كفر بالقرآن.نحن في حاجة إلى جواب ياشيخ محمود.والله لوكنت قد فقدت النطق لما كفر الناس .أما ان تكون ناطقاً ولاتقدر على الجواب!
يدور برأسه في الغرفة .تقع عينيه على شيخه .

أهلك كل شيء .أخرجنا من ملتنا .اصبحنا كما الانعام.انه الشك اللعين.أفق سيدي ومجيب سؤالنا فنحن في أشد العوز لك. يتقلب على جانبيه .يساعده تلميذه.يرفسه غيظاً.يكشف الشيخ عن انيابه ،مصفّراً من اغوار ضجره.الشيخ يكيل الاتهامات لتلميذه .لكنه يقنع بما قيل فيتأبط تلميذه وبعض ملابسه .
إلى أين يالص يا إبن الكلب .أتهرب تاركاً ديونك بكل بساطة . تقولها أم بدوي تتبعها بضحكة متميعة ممطوطة.

تأبطه ينفك عن تلميذه .التلميذ يتمسك.أم بدوي تسحبه من فرجة جلبابه .التلميذ يجره من ذيلها.أم بدوي تلعن وتسب.تلميذه يتوسل. يرفسه ..يرميه بالكتب.يدخل شقة أم بدوي .تضحك ضحكتها الفحشاء الممطوطة.







أحمد زكريا منطــــــــــــــاوي

مصر منذ 150 سنة