الجمعة، 22 فبراير 2008

لعنة الصمت

(لعنة الصمت)



أنفاسٌ متقطعة موشجة بآلام تُعزف على أوتار السعادة.ليس في الامر ثمة ندم أو خوف بل لذة اللحظة.
نشوة اللحظة سعت في أرضها كثيراً.
تأوهات الألم الطروب تزداد .
صرخة متهدجة ناعمة ..آآآآآآآآآآآآآآه.
نظراتٌ من الندم المفاجيء المندهش المصدوم.
نظراتٌ من اللامبالاة المطأطئة الرأس ..مطرقة المواجهة.
صمتها يصارع صمته.نظراتها تستحيل وحشاً ضارياً . يريد المحافظة على نشوته وبقايا لذته. يزجرها .تكاد تثب عليه كاللبؤة .
نواحٌ مستكين يتناغم سرعان مايصبح كمن يمزق أوتار آلة العود ويكسر ظهرها الخشبي..ثمة المئات من الأيادي تدهس أصابع البيانو العتيق الفخم فيحدث زخماً من الأصوات المزعجة.
بس ..بس ..اسكتي.(يصرخ فيها كاتماً نواحها ببطن يده المكتنز).
بعد الاطمئنان من حلول الصمت خارج الشقة .أقدام حثوث تطأ الأرض مذعورة خائفة ناجية.تركها تنعي موتها أو ربما تبحث عن نفسها.
أغرقها في بئر حبه العميق.وكان صمتها الدائم من يمثلها في هذه الدنيا.لم يلح عليها كثيراً فقد قام صمتها -وليد حياءها- بالواجب كما ينبغي.تواعدا على الزواج وانتشيا بلحظات العشق ونظرات الهوى.
ظل يطارد صمتها المتخاذل حتى حدث ماحدث.
صمتٌ يتذيله خيبة شديدة .صمتٌ يركض بين أناس مولولون صارخون ..صادحون..لاعنون..ذوي جلبة..صاخبين..ناقمين..راضين.صمتٌ هارب من سكون إلى سكون.صمتٌ يبحث عن لاشيء.صمتٌ تبرأت أصوات العالم منه وسط هذا الصراخ والعويل والنواح.أكتاف تلكزها .جموعٌ تركلها.خبطة تجنبها يميناً..ودفعة تنحيها يساراً .صمتها أسير جمودها.
هِه هِه هِه هِه هِه هِه
تجري ..تهرب ..تهرب من لهاثها..إلى ؟
إلى أين ؟ ومن أين أهرب ؟أين أنا ؟
يطل الاستفهام الآن-مفاجئاً- عن كل شيء .تفتق تفكيرها عن أسئلة تنقر نقر الفراخ في الطين..مفتشة عن شيء..عن أي شيء.
مارأيك لو حضنت يديّ يديك.منعها خجلها من الرد لحظتئذ،فحضن يديها.
مرت بسلام..
ماذا لو لثمت يديك بقبلة حانية.فوجئت وتداخلت اِنطباعات مختلفة من الضيق والتبرم واللوم الصافي ،فلثم يديها قبلتين .
مرت بسلام..
شفتيك حبيبتي أجمل شفاه رأيتها في دنياي..هل لي أن .......؟! ،فقبلها واستقبلته.
مرت بسلام أشبه بسلام الجنازات..
أشتاق لمعارك البيت التي لاتعترف بمنتصر أو مهزوم.أتوق لصراعات أولياء أمري وأصحابه.لم أعد صاحبة لأمري من دونكم.
تنوح في انتحاب له أنين تتحشرج أنفاسه. تشبك يديها مغطية فرجها في حزن يعقبه بكاء جديد.
الصمت يفتش عن شيء ..عن أي شيء.
بابا ! أريد التحدث إليك بخصوص .....
بعدين ..بعدين .منال ..من فضلك هاتِ لي الملف الكبير باللون الأخضر على مكتبي.
تأت بطلبه في سرعة شديدة حتى تلحق بأمها .سلك المكواة يلتف على ساقها الايسر.تقع على الأرض .تتألم عن ذراعها.الأب يلملم أوراق الملف ساباً شاتماً.الأم في غير اكتراث خرجت.
تبكي وحدها في فراغ البيت المهجور..يملأه أصداء ألمها ونبرات حزنها.
تجري وتهرب .رفّت عيناها رفرفة متواترة منزعجة. ولازالت ..
هِه هِه هِه هِه هِه هِه.
لازال يفتش عن شيء أو عن أي شيء..
أنا خلاص ..فاض بي الكيل منك أنتِ وأولادك.
وأنا الأخرى.مللت هذه العيشة الممتهنة حتى كرهتك وكرهت أولادي..
صبري عليك نفد.اتركني لحالي واذهب مع الساقطة التي أعمتك.طلقني يازبالة .طلقني.
ماما! بابا!
أنتِ طالق ..طالق ..طالق.

هِه هِه هِه هِه هِه هِه هِه..
على وتيرة لهاثها لم تتغير .الصمت يبتلع كل تفكير عابر وكل نية فعل.إلى أين أذهب ؟ أمي أم أبي ؟ تركونا في البيت وحدي أنا وأختي الصغيرة.كلاهما في مكان بعيد مفترق.لكن! اين أنا الآن؟ ياإلهي كيف العودة للبيت فهذا الطريق لم أمر به من قبل !
جلبة تأتي من مكان غير بعيد.على أطراف الشارع المقبلة عليه،ثمة ولدان يلوما بعضهما البعض.اللوم يتطور لاحتكاك أجساد ومناوشات بسيطة.شتيمة تُقرع هنا وعتاب يُطلق هناك.بعض المارين يهتمون بالأمر، ينفضون تشابك الأيادي.يتصالحان ..ذاهبين الأيادي فوق الأكتاف.
ظلت تسير في كل طريق تراه العين.ظلت أسيرة صمتها.لم تفلح في الهروب منه.لن تنس وقتما نادتهما فلم تسمع إلا كلمة طلاق .
منذ نطقت آخر مرة بــ... "ماما! بابا! " .. "انتِ طالق ..طالق ..طالق " ،وهي لم تنطق ببنت نية لكلام.أو حتى سؤال.
تبكي في صمت جديد .قدست صمتها .كفّرت لسانها.
لم تسل أحداً ..وطأت بقدميها كل الطرق .دخلت بيوت ؛في إذعان مقتاد؛ وخرجت من بيوت.إستحل الكل جسدها المتصابي وذاقه من لاذوق لديه.إستطعمه ممتلئي الأرداف والبطون وخاويي العقول.وحدت جموع الطبقات المتفاوتة وانقلبت صراعاتهم احتفاءً بائتلاف جديد.صارت شعاراً للجميع وحلاً للكل.
تغطي فرجها. لم تنطق أو تسأل.ماتت بنات أسئلتها.جفّ حلق نواياها..تخشى السؤال عن بيتها فتكون الإجابة ..تهدّم ..وقع ..إنهار ..إحترق.
ظلت طريدة الصمت إلا لهاثها.
فشلت محاولات التفتيش عن أي شيء.
هِه هِه هِه هِه هِه هِه هِه هِه........

أحمـــــ زكريا ـد منطـــــــ وي ـــا..

ليست هناك تعليقات:

مصر منذ 150 سنة