السبت، 16 فبراير 2008

فوضى الشك


(فوضى الشك)

عينيه جالت كل الفراغات ولم يجدها.يعتدل للخروج أو الهرب .قدم بالخارج وأخرى بالداخل .يدٌ غليظة تسحبه من سوار عنق جلبابه إلى أين ياوسخ ياإبن الكلب !تفترش كامل جسده .تضحك ضحكتها الفحشاء.حاولت قبل ذلك استقطاب ايجابيته وفشلت.تشهّيه لايرد ولايتحرك.ملقى على سريرها مشبك اليدين خلف رأسه ،جيوش حواسها تصطف قاصدة الفتك بتلك اللحظة الشهوانية.


شيخٌ كميش جلبابه، يلقي درساً على تلاميذه في أحد جوانب المسجد مابين صلاتي المغرب والعشاء.يتكلم عن كيف للشك أن يصل بالفرد للكفر والشرك بالله.جميع التلاميذ موافقون الرأي ومضمون الدرس بحسب إيماءاتهم وانطباعات وجوههم ،إلا هذا التلميذ الذي فرك رأسه مرات كثيرة ،يطرق الرأس ..ينظر لشيخه ..يفرك..يطرقها ثانية وثالثة ورابعة .
مابك ياولدي هل تُريد الاستئذان لغرضٍ ما ؟

لا سيدي .لكنها رُبما مداخلة بسيطة لو سمحت

تفضل .

يفرك رأسه بعض الوقت ويتكلم بينما رأسه متدلية على صدره ،ياسيدي سبق وان قرأت لأبو حامد الغزالي أنّ الشك أول مراتب اليقين فكيف تمنعنا أنت اليوم عن اليقين.
لاتنسى الآية الكريمة " لاتسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم " صدق الله العظيم.قالها في غيظ شديد بصوت متسارع كقرقرة الديك حين يزاحمه ديك.
يفرُك التلميذ رأسه-يائساً- لكن بكلتا يديه هذه المرة .
آذان العشاء يملأ جنبات المسجد يسبقهم الشيخ للوضوء ؛مجدداً وضوءه. بعض زملائه يلكزونه سخرية منه مستفزينه ..ناعتيه بالولد الفاشل..منهم من اكتفى بدفعه ملقى على وجهه وآخرون يقرصونه ويسحبونه من أم رأسه ماسكين بأيديهم بعض خصلات شعره-مفاخرة- ممازحين بعضهم .


تضربه أم بدوي على رأسه. تصفق بكفها على وجهه.تنهره ،قل لي بحق أمك ..هل انت رجل ام أنك من إياهم ؟انطق ياغبي ياإبن الكلب .
ظلت تلكمه بيديها الغليظتين -المقمعتين بالحناء البلدي- حتى أدمته وغاب عن الوعي .كادت تشج رأسه كمداً وغيظاً .يستفيق فتطرده لاعنة سابة افحش السباب.

درس جديد ،الولد في هذه المرة اكثر جرأة .فقط تنحنح فسمح له شيخه بالكلام -محدِّباً شفته السفلى.من فضلك أريدُ السؤال بخصوص هذه الآية { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } صدق الله العظيم . كيف لله ان يكون الكلام على لسانه ولايعرف حقيقة العدد ؟
بُهت الجمع الجالس من التلاميذ وعلى رأسهم الشيخ محمود:
"لاتسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم " صدق الله العظيم .قالها الشيخ في استنفار وتجهم ثم مستدركاً،اعترض على كلام ربنا ياولد !.يتفصد عرقاً.. ممسحاً اياه بمنديله المكتنز.
حزن التلميذ حزناً عميقاً. مطرقاً رأسه مرة أخرى ،وزملائه يلكزونه ويقرصونه ويسبونه .يُرفع آذان العشاء من جديد.تشيعُ في الحارة سيرة التلميذ الذي أحرج شيخه فلم يجد له جواباً ولاعلة.باعة الشوارع المفترشين الأرض والقائمين كلما رأوا التلميذ إما وبخوه او لعنوه او ضربوه .مابين سبة وركلة وسحب ودفع كان طريق التلميذ من وإلى درسه.لم يمنع كل هذا الامتعاض ان يسأل بعض الناس نفس سؤال التلميذ للشيخ الذي تفصد عرقاً غزيراً واحمرتا وجنتيه عن آخرهما تكاد تدمى.لم يجبهم وتركهم قاصداً البيت حتى أنه لم يؤمهم في الصلاة.طيلة أسبوعين لم يأت الشيخ يؤمهم كالعادة .وكان سؤالهم عن جهله الجواب قرين السؤال عن غيابه.وعاثت الأسئلة تفسد العقول ؛المشلولة الجواب.يزداد الطرق والقرع على بيت الشيخ .يسألوه سؤال التلميذ .قرع شديد ومحاولة كسر للباب.صراخ وعويل عند باب الشيخ، والشيخ لايرد.

بين كتب التفاسير لابن كثير والسيوطي وأخرى والمصحف سيد كل ماسبق ،جسده المتيبس وشعره المنسدل عن اهمال .متجهم الوجه باحثاً عن الجواب في كل الكتب .
رُحماك ياقرآن بي .رحمااااااااك .أين الجواب وأين يقيني ؟!

مشكلته هي يقينه الجاهل المتكيء على حجج فضفاضة لاتسمن ولاتغني من سؤال .ظل في خوفه ووهنه أوقاتاً طوال .استمر في تعاليه المصطنع حتى خسف به سؤال من تلميذ في سابع ارض.بقيت الشكوك تحوم حواليه كالنسور حول جسد يعاني سكرات الموت.تهافتت عليه صاحبة البيت الساقطة ذات وشم الحناء وحامت حول ذكوريته سالبته اياها، ترمي بشهوانيتها في حجر جسده .هرب من الحي فاراً إلى المرج قاصداً الخلوة بنفسه.سكن في بيت أم بدوي .تراكمت عليه ديون الايجار.دفعها شهوة ورذيلة لامرأة لاتشبع أبداً.تراكمت الديون وتكومت الأسئلة .ضعفت الحيلة ازاء الاثنين .أراه أشبه بصاحب بيت حل عليه ضيف ثقيل -لص- فلما أحس به صحا من نومه مفزوعاً .قرر الانتظار والتحلي بالصبر ريثما يعرف هدف اللص .أتى على كل شيء وحمله بينما صاحب البيت يغط في نوم عميق .انتظاره استحال كسلاً لم يقدر إلا على التثاؤب صبراً.
سخونة تلفحه ينتفض مغمغماً .الشمعتان تذبلان.ضوء بسيط تسلل من كوة في الجدار المتهالك.يكاد يختنق من شياط الرائحة .الستار الممزق احترق كلية.اسماله سقطت رماداً.المنضدة لم يبق منها إلا سطحها ؛يستحيل رماداً الآن.كل الكتب احترقت عدا المصحف الذي استحالت حوافه رماداً والوانه الذهبية خبت.

لااااااااااااااااا .. إلا أنت ياقرآن .. إلا أنت

السخونة تلفحه اكثر فاكثر .يتلفت حوله عله يجد النار التي تحرق كل شيء، فلا يجد الا الرماد غطى كل شيء .رأسه تتقرح .يفركها بقوة وهيستيرية فيدميها .القرآن استحال رماداً.يخر أرضاً متوسلاً الله الرحمة .الباب يُطرق .افتح الباب ياشيخ محمودباب ! شيخ محمود !كل ماصار رماداً يعود سيرته الأولى.الشمعتان تنتصبان .الضوء المتسلل يهرب.الستار يعود ممزقاً .المنضدة تترنح على اربع.المصحف يبرق لونه الذهبي.الكتب مشقوق بطونها .
يهرول ناحية الباب فاتحه.عينيه مواربة على اتساعهما تكاد تقفز من محجريها.

أنت يالئيم يامدسوس ؟!

ياسيدي والله لم اقصد شيئاً .

الصمت يخيم والنظرات تترقب ..

سيدي رأسك تسيل دماً.

الشيخ يسقط ارضاً فاقداً الوعي.تلميذه يحمله حتى الأريكة .يجلس بالقرب منه .

لم اعلم ان الامر سيصير إلى ماصار إليه .الاوضاع تسوء في حينا والناس لم تجد جواباً للسؤال.والفتنة تزداد يوماً تلو الآخر.اغلبنا كفر بالقرآن.نحن في حاجة إلى جواب ياشيخ محمود.والله لوكنت قد فقدت النطق لما كفر الناس .أما ان تكون ناطقاً ولاتقدر على الجواب!
يدور برأسه في الغرفة .تقع عينيه على شيخه .

أهلك كل شيء .أخرجنا من ملتنا .اصبحنا كما الانعام.انه الشك اللعين.أفق سيدي ومجيب سؤالنا فنحن في أشد العوز لك. يتقلب على جانبيه .يساعده تلميذه.يرفسه غيظاً.يكشف الشيخ عن انيابه ،مصفّراً من اغوار ضجره.الشيخ يكيل الاتهامات لتلميذه .لكنه يقنع بما قيل فيتأبط تلميذه وبعض ملابسه .
إلى أين يالص يا إبن الكلب .أتهرب تاركاً ديونك بكل بساطة . تقولها أم بدوي تتبعها بضحكة متميعة ممطوطة.

تأبطه ينفك عن تلميذه .التلميذ يتمسك.أم بدوي تسحبه من فرجة جلبابه .التلميذ يجره من ذيلها.أم بدوي تلعن وتسب.تلميذه يتوسل. يرفسه ..يرميه بالكتب.يدخل شقة أم بدوي .تضحك ضحكتها الفحشاء الممطوطة.







أحمد زكريا منطــــــــــــــاوي

هناك تعليق واحد:

عزة مطر يقول...

الفصة دي ثرية جداً و فيها عناصر كتير
و ان واثقة أن الأفضل لم يأت بعد.

مصر منذ 150 سنة