السبت، 16 فبراير 2008

بينما انتظر

بينما انتظر
(لمحات قصصية قصيرة جداً)
بينما أنتظر في الشارع واقفاً. احدى الرجلين منثنية والأخرى مستقيمة كالوتد الضارب في الأرض ورأسي –غالباً- كما العُقاب لايتلفت إلا لجلال مشهد والمشهد الأول كان نصب عيني تماماً ...عجوز مبطيء السير يسرع بين الفينة وأختها كلما تنبه بطئه الشديد تجرُّه حفيدته الصغرى منطلقة تشم النسيم المعبأ بالتراب ..تريد كسر هذا القيد الذي يلهث خلفها ..تعلمُ يقيناً أنها أرهقته ولكنه أكبر أغلال حياتها ..تتعقب بشائر الحُرية والجد قيدٌ لاينفك ..تصرخ،يعنفها،تبكي،يربت كتفيها،تسحبه،حثوث لركضها.كل هذا ورأسي لم تزد على ثباتها ولا لمح عين ..سبابة يده اليسرى صوب قاع الأرض وعين الصغيرة يلفحها ضوء الشمس ..العجوز يشكو ألم رئتيه الحثيثتين والطفلة تكاد تفصل ذراعها ،شوقه يمسك بتلابيب تطلعاتها ..سبابته على نفس اشارتها ،حسبي أنها بغير ارادته ..ولازالتا رأسي وعيني على ثباتهما !


....الساعةُ الآن لم تفلح في اجتياز الثانية ظهراً ..لم أمَلّ انتظاري ووعدي له لم يُحنث لحينئذ ..بين عقديه الرابع والخامس يقطن ،هذا الرجل صاحب "التروسكل" تبدو على وجهه أمارات الانتظار والترقب يتكيء بظهرانيه على بوابة كبيرة مخربشٌ عليها كتابات شرسة "احترس من الكلاب" ،بوابة لـ"فيلا" عتيقة حل التراب عليها ضيفاً ثقيلاً صار صاحباً للمكان ،بينما يُتمتم ناقماً يقطع وحيه المتألم هدير عربة لكأنها قطعة من "الفيلا" يفتح البوابة مسرعاً للضيوف أصحاب "الفيلا" ،تعترضه الكلمات الشرسة بتحدٍ بالغ ،تُهزم تطلعاته وتهوى،تصعقه كلمات من داخل العربة : استنى لما ننزل الحاجة .يفترش تراب الأرض لم يسأم انتظاراً وإن كان حانقاً ..وكان هذا المشهد عن يساري .

...أزيز دراجة بخارية يخترق أذني اليمني عن تأنٍ وهوادة ،يتصاعد ببطء..لم ألتفت بعد ..حسبتها ستمر سلاماً..لكأن الصوت ينذرني بقدومه ،فألتفت ناحيته ..عامل توصيل طلبات للمنازل كما يشهد صندوقه الخلفي ،رائحة أثيرية تزكم أنفي يتهدل لها لساني في شهوة مفاجئة ،اختفت الرائحة من على طاولة عقلي ولاحظت عينيه تُخفي أمراً عظيماً ،فرواحها وغدوها يميناً ويساراً زاد ظنوني أنه ثمة شيء غريب يفكر به..وجدت الرائحة تتجمع خيوطاً كخيوط الشمس أحدّ مافي الأرض لايقدر على قطع نسيجها،فهي كالإلهام نعجز عن كبح انطلاقه ،تتحزم الرائحة متجهة في اخلاص صوب أنفه،ينفض الرائحة رافضاً،مخلصة على اغوائه ،يقاوم هذا الاغراء غير المبالي،فتات حرصه على مايحمل يدفع الاغواء في ضعف،تدمع احدى العينين،يبكي كليةً،تجثم الرائحة على أنفاسه،لم يعد يشم إلا هيْ..نظرت في الساعة تجاوزت الثانية بخمسة دقائق ،لم أطق انتظاراً أكثر ،رحلت

أحمد زكريا منطـــــــــــاوي

ليست هناك تعليقات:

مصر منذ 150 سنة